Middle East Business

كلفة العنف ضد النساء على الاقتصاد العالمي

صورة المقال

كلفة العنف ضد النساء على الاقتصاد العالمي 

يكشف العنف ضد النساء والفتيات عن أزمة إنسانية واقتصادية عميقة تتجاوز حدود الأفراد لتطال المجتمعات والاقتصادات بأكملها. فبحسب منظمة الصحة العالمية، تعرّضت واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم لعنف جسدي أو جنسي في مرحلة ما من حياتها، أي ما يقارب 840 مليون امرأة. وفي بُعدٍ اقتصادي صادم، تقدّر هيئة الأمم المتحدة للمرأة كلفة العنف القائم على النوع الاجتماعي بنحو 1.5 تريليون دولار سنويًا، ما يعادل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وترتفع هذه الخسائر في بعض الدول إلى 3.7% من الناتج المحلي—وهو رقم يفوق ما تنفقه دول عديدة على التعليم سنويًا.

وراء هذه الأرقام نساء حُرمن من أبسط حقوقهن في الأمان، ومعه ضاعت فرص العمل والتعلّم والمشاركة الفاعلة في المجتمع. فالسلامة، الجسدية والنفسية على حد سواء، تمثّل حجر الأساس لأي نمو فردي أو اقتصادي. والاقتصاد، في جوهره، يقوم على الأفراد، ولا يمكن للأفراد أن يبدعوا أو ينتجوا ما لم يشعروا بالأمان.

العنف يهدم هذا الأساس، وتتجاوز آثاره الضحية لتطال الأسرة وسوق العمل والمجتمع ككل. إذ يمكن أن يحول دون التعلّم أو العمل، بل وحتى الإحساس بالأمان داخل المنزل أو في الأماكن العامة وأماكن العمل. ويُعد التحرّش، وهو أحد أكثر أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي انتشارًا، عاملًا مباشرًا في إسكات الطموح واستنزاف الإنتاجية والموهبة والابتكار.

وتشير دراسات حالة دولية إلى حجم الخسائر الاقتصادية المترتبة على ذلك؛ ففي بابوا غينيا الجديدة، تسبّب الغياب عن العمل ودوران الموظفين المرتبطين بالعنف ضد النساء في استنزاف ما بين 3% و9% من إجمالي الرواتب السنوية. وفي بيرو، ارتبط التحرّش الجنسي في أماكن العمل بانخفاض الإنتاجية بنسبة 43%، ما يعني خسائر بمليارات الدولارات من الناتج الاقتصادي سنويًا.

ورغم قتامة الصورة، فإن مؤشرات التغيير الإيجابي تتزايد. إذ تعمل مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع الحكومات والقطاع الخاص، على تنفيذ مبادرات تستهدف الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي ومعالجته قبل وقوعه. وانطلاقًا من استراتيجيتها الخاصة بالنوع الاجتماعي، دمجت المجموعة برامج الوقاية ودعم الناجيات في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والنقل والحماية الاجتماعية، من خلال أكثر من 90 مشروعًا في ما يزيد على 60 دولة.

وتركّز هذه الجهود على إزالة الحواجز التي تعيق مشاركة النساء الكاملة في الاقتصاد، انطلاقًا من قناعة مفادها أن تمكين النساء من العمل بأمان، والحصول على دخل مستقر، والوصول إلى خدمات أساسية مثل رعاية الأطفال، لا يعزّز استقلالهن الاقتصادي فحسب، بل يحدّ أيضًا من العوامل التي قد تؤدي إلى العنف.

ويمثّل الوصول إلى الطاقة مثالًا واضحًا على ذلك. فحين تحصل المجتمعات الريفية على كهرباء موثوقة، تقلّ المخاطر التي تواجهها النساء عند التنقّل ليلًا لجمع الحطب أو المياه، كما تسهم إنارة الشوارع وتوسّع الأنشطة الاقتصادية في خلق مساحات عامة أكثر أمانًا وفرص عمل جديدة، ما يعزّز شعور النساء بالثقة والأمان.

وتتكرّر النتيجة نفسها في قطاعات أخرى. ففي أوغندا، أسهم برنامج للتدريب المهني ومهارات الحياة للفتيات المراهقات في خفض معدلات العنف وتعزيز فرص العمل الحر. وفي مدن تمتد من القاهرة إلى كيتو، أتاح النقل العام الآمن للنساء فرص عمل أبعد من محيط السكن، بعدما كان الخوف يقيّد خياراتهن. وفي ولاية تاميل نادو الهندية، ساعدت مبادرات لتوفير سكن آمن ووسائل نقل وخطوط ساخنة للإبلاغ عن التحرّش في تعزيز سلامة النساء وقدرتهن على التنقّل.

كما تتعامل مبادرات أخرى مع أشكال حديثة من العنف، مثل العنف المُيسّر بالتكنولوجيا، عبر تعزيز السلامة الرقمية وربطها بفرص عمل آمنة عبر الإنترنت، كما هو الحال في ساموا. وفي تنزانيا، يُطبّق نموذج «بانديبيرهو» الذي يروّج للأبوة الإيجابية والمساواة بين الجنسين، بهدف الحد من عنف الشريك الحميم وتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء، بما ينعكس إيجابًا على رفاه الأسرة والتنمية الشاملة.

ولا تقتصر مسؤولية خلق بيئة آمنة على الحكومات وحدها، إذ يلعب القطاع الخاص دورًا محوريًا في هذا المسار. فمنذ عام 2014، تعاون برنامج «أماكن العمل القائمة على الاحترام» التابع لمؤسسة التمويل الدولية مع أكثر من 100 شركة لمكافحة العنف والتحرّش، مسهمًا في رفع الإنتاجية وتقليل الغياب وتحسين استبقاء النساء وتقدّمهن المهني. كما أطلقت المؤسسة في عام 2024 برنامج «Empower Finance» لدعم مؤسسات مالية تخدم أكثر من 30 مليون عميل في خمس دول، لمعالجة الإساءة المالية، وهي أحد أشكال العنف الأقل ظهورًا والأكثر انتشارًا.

وتتلاقى هذه الجهود مع دعم اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190، التي تؤكد حق كل عامل في بيئة عمل خالية من العنف والتحرّش.

الخلاصة واضحة: عندما تتمكّن النساء من العيش والعمل بأمان، يربح الجميع—الأسر، والشركات، والاقتصادات الوطنية. غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب عملًا جماعيًا مستمرًا، واستثمارات ذكية في الحلول المثبتة، وتعاونًا حقيقيًا بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

المصدر: مجموعة البنك الدولي، منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

التعليقات

أضف تعليقًا